الفتح العمري لبيت المقدس :
وبعد أن فرغوا من بلاد الشام وجهوا جزءاً من قواتهم إلى فلسطين وفتحوا مناطق عديدة منها وحاصروا إيلياء زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، واستمات الروم في الدفاع عن بيت المقدس ، بيد أن الدين الجديد وما يزرعه في نفوس قواته قد انتصر على عناد الروم ودب الضعف في نفوسهم ، ولما اشتد الحصار لبيت المقدس 636 م ظهر البطريرك " صفر ونيوس " من فوق أسوار المدينة وقال لهم : إنا نريد أن نسلم لكن بشرط أن يكون ذلك لأميركم فقدموا له أمير الجيش فقال : لا ، إنما نريد الأمير الأكبر أمير المؤمنين ، فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب .
فخرج عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس ولما أطل على مشارفها وجد المسلمين في استقباله خارج بابها المسمى بباب دمشق وعلى رأسهم البطريرك " صفر ونيوس " وقد كان عمر على راحلة واحدة ومعه غلامه ، فظهر لهم وهو آخذاً بمقود الراحلة وغلامه فوقها الذي اشترط على غلامه أن يسير كل منهما نفس المسافة واحدا راكب والآخر يسير على الأقدام بالتساوي ، فعندما وصلا كان دور الغلام وعمر بن الخطاب يأخذ بمقود الراحلة .
فبينما رأوه كذلك خروا له ساجدين فأشاح الغلام عليهم بعصاه من فوق راحلته وصاح فيهم
" ويحكم ارفعوا روؤسكم لا ينبغي السجود إلا لله ، فلما رفعوا رؤوسهم انتحى البطريرك " صفر ونيوس " ناحية وبكى ، فتأثر عمر وأقبل عليه يواسيه قائلا :" لا تحزن هون عليك ، فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك " فقال صفر ونيوس ظننتني لضياع الملك بكيت ؟ والله ما لهذا بكيت ، أنما بكيت لما أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية ترق ولا تنقطع ... فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة ، وكنت حسبتها دولة فاتحين ثم تنقرض مع السنين .
وتسلم ابن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك " صفر ونيوس " وخطب في تلك الجموع قائلا : " يا أهل ايلياء لكم مالنا وعليكم ما علينا .
ثم دعا البطريرك لتفقد كنيسة القيامة ، فلبى دعوته ، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له أين أصلى ، فقال " مكانك صل " فقال : ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا .
وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى ، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجدا وهو قائما إلى يومنا هذا .
نص العهد الذي أعطاه الإسلام للقدس :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان ، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صلبهم ، ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ،ولا يكن بايلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص . فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم .
ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ، ومن احب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم ، فانهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله ، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم ، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .
شهد على ذلك كتب وحضر سنة 15 هـ عمر بن الخطاب
وخالد بن الوليد ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان